1. الجرح والتعديل: شرعيته وبدء تاريخه.
الجرح والتعديل علم يبحث فيه عن جرح الرواة وتعديلهم بألفاظ مخصوصة، وعن مراتب تلك الألفاظ. وهو يستمد شرعيته من باب صون الشريعة وقصد النصيحة للرسول صلى الله عليه وسلم، وعامة المسلمين، لا طعناً في الناس على جهة التنقيص المجرد عن المصلحة الشرعية، ولا غيبة لأعراضهم فيما ليس مباحاً من هذا الجانب، وكما جاز الجرح في الشهادة "الشهود " جاز في الرواية "الرواة " فإن التثبت في أمر الدين أولى من التثبت في الحقوق والأموال، إلا أنه لا يجوز التجاوز عن الحد المطلوب من نقد الرواة، والإفراط في هذا من أقبح القبائح فإن أمكن تجريح الراوي بأمر واحد تسقط به روايته حرم عليه ذكر غيره، لأنه يصير إلى الغيبة المحرمة المذمومة.
قال ابن دقيق العيد: "أعراض الناس حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها المحدثون والحكام " أ. هـ.
والجرح والتعديل والبحث في شئون الرجال ثابث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عن كثير من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم، ثم من بعدهم. والجرح والتعديل قد بدأ في عصر النبوة المبارك واستمد شرعيته من حكم الرسول صلى الله عليه وسلم على بعض الرجال بما يخدش في عدالتهم، فعن عائشة رضي الله عنها: أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: بئس أخو العشيرة. وبئس ابن العشيرة ، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ياعائشة متى عهدتني فاحشاً، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ) رواه البخاري.
وعن طلحة بن عبيد الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن عمرو بن العاص من صالحي قريش ) رواه الترمذي وقال: ليس إسناده بمتصل.
وعن إسماعيل بن صالح بن عليّة قال: الجرح أمانة وليس غيبة.
وعن عاصم الأحول قال: "جلست إلى قتادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه ، فقلت: لا أرى العلماء يقع بعضهم في بعض ، فقال: يا أحول، ألا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يذكر حتى يحذر ".
وكان شعبة يقول: "تعالوا حتى نغتاب في دين الله ".
وذكر ابن المبارك رجلاً فقال: يكذب ، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن تغتاب ؟ قال: اسكت، إذا لم نبين كيف يعرف الحق من الباطل .
وقد تصدى لتجريح الرواة وتعديلهم خلق كثير من العلماء لا يتهيأ حصرهم، لكن حديثهم من هذه الحيثية كان يتخطى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتجاوزهم إلى غيرهم ممن لم يتسموا بهذه الصفة الرفيعة، وذلك لما هو مقرر عند من يعتد برأيه من أئمة النقاد من القطع بعدالة الصحابة جميعاً كبيرهم وصغيرهم، من لابس الفتن منهم ومن لم يلابهسا.
وقد علمت آنفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسى بنفسه قواعد شرعية الجرح والتعديل، وتبعه من بعده الصحابة رضوان الله عليهم ، ثم من بعدهم، حتى اشتمل على كل رواة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصادر المعتبرة للسنة وما يلحق بها.
2. الجرح والتعديل:
الجرح لغةً:
بفتح الجيم مصدر جرَح بفتح الراء من جرحه بلسانه جرحاً: عابه وتنقصه، وأكثر ما يستعمل ذلك في المعاني والأعراض.
واصطلاحاً:
رد الحافظ المتقن رواية الرواي لعلة قادحة فيه أو في روايته من فسق أو تدليس أو كذب أو شذوذ ونحوها.
وهو عبارة عن بيان عيوب رواة الحديث التي لأجلها تسقط روايتهم من اختلال في العدالة أو اختلال في الضبط، وهذه العيوب قد ذهب العلماء على أنها عشرة، منها خمسة تتصل بالعدالة، وخمسة أخرى تتصل بضبط الرواة.
أما الصفات الخمس التي تتصل بالعدالة فهي:
1. الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. التهمة بالكذب.
3. الفسق بالفعل، أو بالقول الذي لا يبلغ حد الكفر.
4. الجهالة.
5. البدعة.
* وأما الصفات الخمس التي تتصل بضبط الراوي فهي:
1. سوء الحفظ.
2. فحش الغلط.
3. الغفلة.
4. الوهم.
5. مخالفة الثقات.
التعديل لغةً:
من عدل الحكم: أقامه، وعدل الرجل: زكاه، وعدل الميزان: سواه، فالتعديل: التقويم والتزكية والتسوية.
واصطلاحاً:
وصف الرواي بما يقتضي قبول روايته.
وهو عبارة عن تحقق أوصاف القبول من الرواي، بأن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً خالياً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وأن لا يكون سيء الحفظ ولا فاحش الغلط، ولا مخالفاً للثقات، ولا كثير الأوهام، ولا مغفلاً.